الجزء الثاني
جرح اصبعي..
نظرت أمل الى زهور و كمال و قالت لهما:"المهم يلا. ما شفناكم من زمان." قالتها أمل و هي تغمز بعينها لزهور.
ضحكت زهور و ابتسم لها كمال، ثم تبعوها الى الداخل و عانقت زهور خالتيها و قالت:"أهلا خالتي ريم. أهلا خالتي رشا، كيف حالكما؟"
ابتسمت خالتها أم أمل و قالت بحنان:"بخيـر يا زهور. و أنت يا كمال؟"
قال كمال و هو يعانق خالته:"بخير يا خالتي، لقد اشتقنا اليكم. فأبي لا يسمح لنا بالخروج الا فقط في أوقات المناسبات. و طبعا الحلوة زهور تتأخر دائما و هي تلبس ملابسها. كأنها تؤلف كتابا لا ترتدي ملابسها."
نظرت زهور اليه بحنق و قالت:"أوف منك. يعني لازم كل مرة ألبس ملابسي تتنقدني فيها؟"
و أخرجت لسانها له بحركة طفولية جعلته يبتسم رغما عنه.
قالت أمل و هي تشد علا و زهور من كفهيما:"هيا.. سأفتح هدايا عيد ميلادي."
قالت زهور بخبث:"و أنا لم أحضر لك هدية أيتها البائسة".
تركتها أمل و عقدت يديها أمامها و هي تقول:"ماذا؟ لم تحضري لي هدية أيتها الماكرة؟؟ سأريك".
و شدت أمل شعر زهور بكل عفوية و تركتها و هما تضحكان، و جاء كمال و قال:"هي تمزح معك، لقد أحضرنا لك هدية، و أتمنى أن تعجبك".
تطلعت اليه أمل و هي تبتسم لها ثم ابتسمت ابتسامة واسعة و قالت:"شكرا لكما. كنت أعرف أن زهور تمزح فقط، لأنها لو لم تحضر لي هدية كنت سأقتلها بين يدي هاتين".
ضحك الجميع ثم توجهوا الى غرفة أمل و قالوا:"ها هي هداياك".
تطلعت لهم أمل بحنان ثم رفعت هدية علا و قالت:"سأفتح هدية علا أولا".
"حسنا". قالت علا.
همت بفتح الهدية و عندما فتحتها، كانت قلادة جميلة قد نقش عليها اسمها بكل مهارة, عانقتها أمل و قالت:"شكرا لك يا ابنة خالتي العزيزة. كنت أتوقع هذا منك". و غزت لها بعينها.
تطلعت زهور بحنق و قالت:"و أنا؟؟؟؟ ألن تفتحي هديتي أم قد أحضرتها للزينة فقط؟؟ أفتحيها ستعجبك. لقد اخترتها أنا بنفسي. و ان لم تعجبك سأرميك أنت و الهدية من الشباك".
تطلع كمال لأخته و قال:"و أنا سأرميك خلفهما".
ضحك الجميع, لكن زهور تطلعت لأخيها بغضب، و أمسكت بيد أمل ثم أجبرتها على فتح الهدية, و لكن بدون قصد منها.. جرحت اصبع أمل بورق الهدية.. انتفضت أمل و الدماء تقطر من سبابتها، قالت لها زهور بصوت خفيض:"أنا آسفة..."
تطلع لها كمال بحنق ثم قال:"انظري ماذا فعلت.." ثم تطلع لأمل و قال لها:"اعتذر بالنيابة عن أختي البلهاء".
ثم أمسك يدها و أخذها الى ريما و قال لها:" ريما, لقد جرح اصبهعا، فأرجوك يا ريما اهتمي بها".
أومأت ريما برأسها و قالت:"حسنا يا سيد كمال، لا تأكل هما، سأهتم أنا بالآنسة أمل".
تطلعت لهما أمل بحنق و قالت:"أنا لست طفلة".
نظرت اليها ريما بغرابة و قالت لها:"لكن آنستي، جرحك يحتاج الى تنظيف، و أنا سأهتم به".
تنهدت أمل و قالت:"فليكن".
"حسنا، سأتركك لكي تهتم ريما بجرحك.. و لتعودي لكي تفتحي هدية زهور.."
"فليكن".
خرج كمال الى الخارج و أمسك زهور من شعرها و قال بغضب:"لماذا جرحتيها أيتها الشقية؟ كان يجب عليك أن تتوخي الحذر".
قالت زهور بحنق شديد:"المهم, أنه مجرد جرح صغير, لا تسوي منه قصة و حكاية, و تقوم و تقعد الأرض عليه".
قال لها:"معك حق.. أنه مجرد جرح.. و لكني قلقت على أمل كثيرا.."
تطلعت له علا بخبث.. ثم أردفت:"لماذا تهتم بها؟.. و تقلق عليها اذا حصل لها مكروه.. أو تضحك معها و تتبسط معها في الحديث؟ "
قال لها كمال:"انها ابنة خالتي و لم أرها منذ مدة، أليس لي الحق أن أقلق عليها؟؟"
قالت زهور بمكر:"و لكن ليس لهذه الدرجة.. أخبرني هل أنت معجب بأمل؟"
قال كمال بلامبالاة:"لا. انها ابنة خالتي فقط و لدي الحق أن اطمئن عليها بين الحين و الآخر. كما أنني أكبرها بسنتين. و لست أتحدث معها كثيرا. فلا تعتقدي المعتقدات الغبية أنتي و علا السخيفة. لا أريد للاشاعات أن تنتشر بين خالاتي و أخوالي.
تطلعت له علا و قالت:"أنت متأكد أن هذه ليست اشاعات؟"
قال بغضب كبير:"اسكتي يا زهور انتي و علا و لا تتحدثن معي عن أم.."
في تلك اللحظة دلفت أمل الى الداخل مع ابتسامة عريضة على وجهها ثم نظرت اليهم و قالت:"لقد عالجت ريما جرحي. هل قلقتم علي؟" و أردفت قائلة و هي تضحك بطفولية:" آآآآآه صح. نسيت أن أفتح هديتك يا زهور.. أم أنك ستجرحين سبابتي الأخرى؟"
نظرت زهور اليها و قالت بصوت خفيض:"أنا آسفة.. لم أقصد أن أفعل ذلك يا أمل.. لقد تملكتني الغيرة أن هدية علا أعجبتك و لم تفتحي هديتي فأردتك ان تفتيحها على عجل.."
"لا بأس". قالتها أمل و هي تبتسم مع أن ابنة خالتها جرحتها.. و لا تدعونا ننسى أن قلب امل الكبير يحب كل الناس..و يسامحهم مهما فعلوا.. و هي تظن أن العالم مليء بالخير و لا يوجد فيه مكان للشر.. و لكن أمل الصغيرة لم تكن لديها تجارب في الحياة..
و فتحت هدية زهور و كمال ووجدت فيها شيئا أرادته دائما.. لا شك أن العلبة كانت مثقبة لسبب.. وجدت فيها قطة صغيرة بيضاء اللون ذات عيون خضراء.. ترقرت الدموع في عين أمل فقاطعها صوت قائلا:"لماذا البكاء يا أمل؟ ألم تعجبك؟"
قالت أمل و هي تمسح دموعها بأناملها:"انها جميلة جدا. دعكم مني انها دموع الفرح.." و تطلعت الى القطة بكل حنان و سألتهم:"هل هي ذكر أم أنثى؟"
جاوبها صوت زهور بكل هدوء:"انها انثى. لقد سألت البائع فقال لي ذلك. و قد عرفت من زمان أنك تريدين قطة صغيرة لتلعبي معها فاتفقت أنا و كمال أن نحضر لك واحدة".
قالت أمل و هي تتطلع الى القطة الصغيرة:"سأطلق عليها اسم نادين. لقد أحببت هذا الأسم و تمنيت أن أمي قد أطلقته علي و لكن.."
قالت أمها و هي تدلف الى الداخل مع خالتها رشا:" لم أطلق عليك هذا الاسم يا صغيرتي و لكن أباك رحمه الله هو الذي أطلقه عليك فقد تمنينا ان ننجب طفلة جميلة مثلك و تمنى أن نراك عروسا عندما تكبرين و لكن قدر الله عز و جل أخذه قبل أن يراك تكبرين".
أشاحت بوجهها بعيدا ثم تلألأت الدموع على وجنتيها الرقيقتين و قالت بصوت متحشرج:"عن اذنكم.."
ركضت بعيدا الى الحديقة و بكت.. لم تكن تريد أن تتذكر ماضي أبيها القاسي فهو يعذبها.. أبوها الذي تعب عليها لم تره الا مرة واحدة قبل أن يتوفى.. و هي لا تتذكره فهمست لنفسها قائلة:"لماذا ذهبت يا أبي؟ لماذا تعذبني هكذا؟ لقد اشتقت اليك و اتمنى أن اموت على العيش بدونك.."
سمعت صوتا يهمس في أذنها قائلا:"لا تتمني الموت يا أمل.. لماذا؟"
تطلعت الى صاحب الصوت فهو كمال.. أشاحت بوجهها بعيدا عنه و قالت:"أنت لا تفهم معاناتي. أنت تتمتع بحنان أبيك و تعيش معه و تراه يوميا.. أما أنا فقررت الحياة أن تعذبني.. أن تسلبني أبي.. أن تجعلني لا أراه مجددا.. أريد منه أن يقبل وجنتي.. أن يحضنني.. ان يخرج معي مثل كل البنات.."
قال لها كمال:"أنت نسيت أنني بدون أم أيضا.. أم لا تتذكرين أن خالتك توفيت؟"
تطلعت له أمل بدهشة و لم تجب.. ثم بعد صمت ساد طويلا:"خالتي أمك..ت ..توفيت؟"
"نعم, ألا تعرفين يا أمل؟ كنت طوال الوقت أحسدك على أمك."
"اذا لست أنت الوحيد الذي.."
"لا...أبدا لا.. أنا لم أرى أمي لأكثر من أربعة عشر سنة.. بعد أن وضعت أمي أختي زهور دخلت و لم تخرج و فاجئنا الطبيب بخبر وفاتها.. لقد كانت صدمة لأبي و لكنه لم يتجاوزها.. كان بفكر بالزواج بأخرى و لكني أنا و زهور ألححنا عليه بأن لا يتزوج فرضخ لنا. و لكن لا أعتقد أنه لن يتزوج.."
تنهد كمال. و شعرت أمل بمعاناته.. فكما هي تعاني من فقدانها أباها فكمال فقد أمه..
فأردفت هذه الأخيرة بسرعة:" و لكن أبوك لا يمنعك من الخروج و الدراسة. أليس كذلك؟"
"ماذا يا أمل.. زوديتها.. أمك لا تسمح لك بالخروج و الدراسة؟"
"لا.. انها تخاف علي من كل شيء. و تحضر لي مدرسين خصوصيين الى المنزل. و هي تخاف علي حتى من وخزة ابرة. فبعد أن توفي والدي.. لم تعد تهتم الا بي.. و كما ترى أنا الوريثة الوحيدة لثروة أبي الطائلة.. و قالت أمي ان هناك من يريد أن يستولي عليها من أعمامي و قالت أنه من الأفضل أن أبقى بالمنزل لأنني بخطر.."